الاثنين، 30 يناير 2012

رحلة أحمد الهواري



رحلة أحمد الهواري:
ونختم هذه الجولة مع الرحالين المغاربة، بارتسامات أحمد الهواري رئيس تحرير جريدة (السعادة) وعضو بالمحكمة العليا الشريفة، وعضو جمعية أحباس الحرمين الشريفين.
فبعد حجه في 1353هـ-1934، زار فلسطين من بيروت فمر في الحافلة بمكة وحيفا، وبعد زيارتها واصلوا السير فمروا في الحافلة بمكة وحيفا، وبعد زيارتها واصلوا السير فمروا على مدينة نابلس الجميلة بموقعها في أعلى الجبال، وما يحيط بها من الجنان، وهي تلك المدينة الشهيرة بمدارسها وعلومها، وكان بها إذ ذاك بعض التلامذة المغاربة من أبناء تطوان لم يتمكن من زيارتهم مع الأسف لضيق الزمن، ووصلوا بعد العصر إلى مدينة القدس الشريف، التي أشرفوا عليها عند الدخول وقد برزت بكثرة مناراتها، وتكاثف أبنيتها الفاخرة في حلة جميلة يشعر معها الإنسان لأنها تلك البلاد العربية التي لم يفارقها ذكر
العرب كلما ذكرها التاريخ قبل المسيح أو بعده، وأنها مأوى الصخرة المشرفة، وأحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها.
قال: وقد وجدناها أخذت حظها من الحضارة العصرية في مختلف مواطنها، وبلغت فيها المدارس والكليات والصحافة والطباعة ما جعلها في صف الممالك الشامخة الأنف بازدهار العلوم والمعارف فيها، أما الصناعة والتجارة الوطنية فشيء يبعث على عظيم الارتياح إذ صادف الحال أن وجدنا فيها المعرض العربي الثاني لعام 1353هـ وقد فتح أبوابه في محفل عظيم وزينة فاخرة...
ولما كان أهم ما جئنا لأجله هو زيارة المسجد الأقصى فقد بدأنا به وتوجهنا إليه في نفس اليوم الذي وصلنا فيه إذ هو موجود داخل المدينة...
ولقد أبهرنا (كنا) ما وجدناه عليه من العظمة والأسرار الربانية، وبالأخص ما هي عليه قبة الصخرة المشرفة من الإبداع في الزخرفة والبناء مما يحير العقول، ويجعلها من أقدس الآثار الإسلامية وأقدمها في العالم وأثبت برهان على براعة العرب في الهندسة.
وحرم المسجد الأقصى هو عبارة عن بسيط واسع لأرجاء جدا، يحيط به سور من البناء وفي جهة منه يوجد مسجد الصخرة الشريفة، المترفعة عن أرضية المسجد نحو الخمسة أمتار من الجهات الأربع يراها الناس منه، ويتبركون بها، وعليها تقام القبة المشار إليها وقد فرش هذا المسجد بأفخر الزرابي وعلقت به الثريات العديدة من البلور الرفيع.
وفي نفس الحرم يوجد منبر أثري، هو ثالث المنابر القديمة في العالم، وفي الوسط يوجد صهريج وحنفيات للوضوء تظللها بعض الأشجار، وبجهة أخرى يوجد مسجد آخر الصلاة غير مسجد الصخرة المذكور يسمى جامع الجاونية، وبجهات أخرى توجد عدة قبب وقبور بعض عظماء الإسلام، منها مقام سيدنا إسماعيل عليه السلام، وهناك أيضا محل يغرف بسجن العقاريب لسيدنا سليمان (إلخ)...
وفي هذه الزيارة وقفنا على عين محل المبكي، وهو عبارة عن درب صغير متصل بالبراق. فيما وراء قسم من السور المذكور الحائط بالحرم، ويفصله عنه بعلو نحو عشرة أمتار، والحجر المبني منه حائط المبكي يبلغ طول الواحدة منه نحو المترين على نحو متر واحد علوا. وقد وجدنا هناك عددا من اليهود يبكون وهم في مواجهة الحائط المذكور والناس يمرون من هناك إلى الدرب المذكور، ممر عمومي للمسلمين، يوصل إلى زاوية سيدنا أبي مدين الغوث والمباني التي أوقفها هناك المغاربة، حيث يسكنها الآن نحو 54 منهم. ورأوا هناك الحد الذي بني للفصل بين المكان الخاص باليهود للبكاء والمكان الذي هو بداية أوقاف المسلمين من الزاوية المذكورة حسبما انتهى عليه الخلاف المفضي إلى الملاحم المعروفة، لا أعادها الله، فأصبحت المادة التي يستغلها اليهود اليوم من الجدار المذكور 15 مترا، وأثبت صورة للمبكي والمسجد الأقصى المبارك زيادة للوصف المقرب إلى المشاهدة وإتمام للفائدة.
من القدس الشريف إلى دمشق الشام:
قال: لما تممنا – بفضل الله- زيارة المسجد الأقصى وتبركنا فيه بموقع وطئته أقدام نبي كريم، خصه الله تعالى من بين الأنبياء بمعجزة الإسراء إليه صلى الله عليه وسلم خرجت بنا السيارة المرافقة لنا إلى زيارة بعض المشاهد والمقامات الكائنة خارج مدينة القدس فتوجهنا إلى مدينة بيت لحم الواقعة على نحو ثلاثين كيلو متر من هناك، فزرنا مآثر القديمة ومعاهدها الدينية الشهيرة ومحلات صنائعها

الرقيقة، من النقوش على العاج وغيره وقد وجدنا في أحد مخازنها غشاء كتاب مصنوع من العاج، ركب من عشرين ألف قطعة صغيرة، صنع خصيصا فيما سبق لأحد ملوك الروس بسبعة آلاف ليرة إنجليزية بعد أن قضى في عمله أربع سنوات، وزرنا أيضا هناك في جملة ما زرناه – قلعة سليمان العجيبة.
ثم نزلنا إلى مدينة الخليل في أحشاء الجبال فتبركنا فيها بقبر الخليل وقبر السيدة سارة، وقبر سيدنا إسحاق الغيور وقبر سيدتنا رفقة ومقام سيدنا يعقوب بن إسحاق وسيدنا يوسف الصديق وغيرهم.
ومما رأيناه من لطف بعض الشبان الذين كانوا يرافقوننا في هذه الزيارة، أنهم بينما كانوا يوقفوننا على مثل هذه القبور، كانوا يرددون في بعض الأحيان قول ابن حجر:
ولم تعلم مقابرهم بأرض
            يقينا غير ما سكن الرسول
وفي حيرون أيضا ثم غار
                  به رسل كرام والخليل
أما مسجد مدينة الخليل فهو مسجد عظيم، محمول على المغارة الشريفة المعروفة بمغارة المكلفة، والتي طولها 55 مترا وعرضها 33 وعمقها 7 أمتار، وقد أغلقت منذ سنة 600 سنة، وهي تنار لحد الآن بقنديل من الزيت ينزل لوسطها من فرجة بأعلاها.
وفي الحرم الإبراهيمي منبر عربي بديع الشكل يرجع عهده إلى زمن الدولة الفاطمية، صنع بمدينة عسقلان من أعمال فلسطين ونقله إلى هناك صلاح الدين الأيوبي وهو أيضا أحد المنابر الثلاثة القديمة في العالم: منبر الخليل ومنبر المسجد الأقصى ومنبر في مدينة حلب.
ثم عدنا إلى القدس، وفي نفس الغد بارحناها في نفس السيارة المذكورة التي لا زلت معنا كما ذكرنا وقصدنا مدينة دمشق الشام، وعلى طريق أخرى بعد اجتياز قسم صغير من الأولى.
فمررنا على مدينة نابلس.. فمدينة عفولة المحدثة الآهلة باليهود ثم شققنا ولجة واسعة الأرجاء اشتراها اليهود لحراثتهم ثم على مدينة الناصرة في سفح الجبال.
ومن هناك تفرعت طريق ذاهبة إلى حيفا وأخرى إلى الشام، فذهبنا مع هذه الأخيرة إلى أن وصلنا قمة جبل مرتفع أشرفنا منها على بحيرة واسعة، كأنها بحر صغير تكتنفها الجبال من جميع الجهات، والأجنة قد انتشرت على سواحلها، فكان ذلك أول منظر من نوعه نظرياه، وقد جمع بين صور من البحر والجبال والأراضي الزاهرة بالفلاحة، فذكر لنا أنها بحيرة طبرية وهكذا بقينا مشرفين عليها حصة طويلة من الزمان ونحن ننزل إليها شيئا فشيئا مع انحدار سفح الجبال المحيطة بها، إلى أن وصلنا إلى مدينة طبرية الجميلة، فنزلنا بها بمطعم متصل بالماء، على ساحل البحيرة وتناولنا فيه الفطور.
ثم اقلعت بنا السيارة وسرنا في طريق تخترق أحشاء الأجنة وتنعرج مع البحيرة على انعراج ساحلها، وصرنا نتركها ونحن نصعد شيئا فشيئا مع الجبال من جهة أخرى إلى أن أشرفنا على جهة أخرى كأنها زراب مبثوثة قد وشحت بالربيع والأزهار حتى وقفنا بدائرة جمرك الجاعونة – الديوانة الفلسطينية – (دليل الحج والسياحة ص 230-236).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق