الاثنين، 30 يناير 2012

رحلة اليوسي (الحجازية)


الرحلة الحجازية لمحمد بن الحسن اليوسي[1] (ت بعد 1119)





عنوان الكتاب: رحلة اليوسي (الحجازية)
المؤلف: أبو علي اليوسي المغربي (ت. 1102هـ)
عدد الأوراق: 26
مصدر المخطوط: الخزانة الملكية بالرباط


                           

وهو النص الذي سجل فيه أحداث الرحلة لوالده الشيخ الحسن اليوسي.
وقد تمت الرحلة عام 1101 برفقة الركب المغربي الذي كان يضم وفد الأمير المعتصم ابن المولى إسماعيل.
وتعتمد الرحلة طريق البر مما تعودت أن يمر منها الركب المغربي. سواء القادم من فاس أو سجلماسة. وتقوم الرحلة في أساسها على رصد مراحل الطريق، ووصف ما تتميز به بصورة موجزة مختصرة. ولا تتعدى ذلك للحديث عن الوصف والعمران إلا في حدود ضيقة.
ولم تخل هذه الرحلة من مواد أدبية، وإن كانت محدودة، ومن الحديث عن نشاط اليوسي العلمي والتعليمي في الطريق.
رحلة محمد بن الحسن اليوسي[2] (كان حيا عام 1119)
وهي رحلة[3] مختصرة يسجل فيها الكاتب رحلة حج والده الشيخ الحسن اليوسي. وقد ناب عنه في تسجيل موادها نظرا للظروف الجسيمة التي لم تساعده – خاصة أثناء العودة – على الكتابة والتسجيل.
والرحلة تنطلق من المغرب عام 1101 صحبة الركب الفاسي الذي مثل إمارته هذه المرة الشيخان معا: عمر بن هاشم الحسني السجلماسي، ومحمد الحسيني، وكان بالركب أيضا الأمير المعتصم ابن المولى إسماعيل، وبعض حاشيته[4].
ويبدو أن وفد الحج المغربي كان يمثله أكثر من ركب. فكان ركب هذه السنة غيره في السنة الموالية أو السنة الفائتة. وقد يلتقي الركبان معا في الطريق، كما حدث في شهر شعبان عام 1101 حين التقى بطرابلس الركب الفاسي الذي كان به اليوسي، وهو في الذهاب إلى الحج، بالركب المغربي الفاسي والسجلماسي الذي كان في مرحلة الإياب. وكان به الشيخ أحمد بن معن وجماعة زاويته[5].
والركبان معا – كما تتحدث عنه رحلة محمد اليوسي، ونسمة الآس للقادري – يتخذان الطريق البرية التي تتحاشى الساحل، وأوعار جباله. وهي الطريق التي تعود الركب الفاسي، وفي بعض الأحيان الركب السجلماسي – المرور منها، إذ يلتقيان معا أو يفترقان في حدود وجدة، عند الذهاب أو الإياب.
ورحلة محمد اليوسي في عمومها تقوم على الاختصار، ويقتصر فيها كاتبها على ذكر المراحل وبإيجاز شديد، فيسجل اسم المكان الذي يمثل مرحلة، فأقاموا به بياتا أو نهارا، وما به من آبار أو عييون أو مياه حلوة، أو غيرها.
وكأنه بذلك يحدد المسالك والطريق للراغبين في الذهاب إلى الحج فيما بعد.
ومحمد اليوسي كثير الانتقاد لما يراه ويشاهده. فهو لا يتأخر عن الحديث عن المياه التي يصادفها الركب في الطريق وعن ملوحتها وقبحها وما تفعله بالإنسان الشارب لها من ضرر[6]. فبسكرة "بلدة كثيرة النخيل، إلا أن ماءها مالح"[7]. وبلدة توزر "كثيرة المياه والنخيل، إلا أن ماءها قبيح مالح"[8].
وعند مرور الركب بالعقبة الكبيرة ببادية الحجاز، كان بقربها ماء بقبق "وهو ماء منتن مالح[9]. ولذلك كان شرب هذا الماء بهذه الصفة من الأشياء التي تمثل صعوبة الرحلة" وهذه الطريق لابد فيها من زين وشين وخشونة ولين وفرح وترح..."1
ويجري انتقاده للناس أيضا، فيحاسب بشدة عادات بعض الناس في الطريق ومواقفهم، وخاصة ما يقومون به من النهب للمار بهم كما حدث لهم عند مرورهم بأولاد يعقوب قبل مرحلة من عير ماضي[10].
وحينما يتحدث عن مدينة توزر يخص أهلها بانتقاد شديد أيضا "وهي بلدة كثيرة المياه والنخيل... بنيانها عجيب. وأما الناس فلا ناس. واعلم أنك ما ترى أهل العقل والصلاح والكرامة منذ تجاوز تازة ... فسبحان الله... ما أبعدهم عن الطباع والحنان، وخصهم بالجفاء والرعان..."[11]
ورغم هذا فلم تخل الرحلة من بعض الأوصاف الخاصة بالمدن وبعض المعالم الهامة التي يمر بها الراحل في طريقه. وهكذا يتحدث عن النبي خالد ومدفنه بإفريقية[12] ويتحدث عن مسراتة حيث مدفن الشيخ أحمد زروق، فيتذكر شيخا هرما وليا من أولياء الله كان قد حدثه عن من قبل الشيخ محمد بن ناصر والعلامة أبو سالم العياشي في حجتيهما[13].
ويتحد عن بلدة عين ماضي فيصف ما أثاره بها من "جمال نسائها مما لا يكاد يوجد في غيرها"[14].
ولم يغب عن الرحلة الحديث عن الجانب العلمي ورصد مظاهر الاتصال الثقافي بين المغرب وغيره، إلا أن ذلك يبدو قليلا إذا ما قورن بما تعرفه رحلات المعاصرين لليوسي من الراحلين إلى المشرق من أمثال أبي سالم العياشي وأبي العباس الهشتوكي وأحمد بن ناصر وغيرهم. وقد أثر عن اليوسي موقفه الشهير من انتقاده بيئة المشرق وفراغها من العلم والعلماء.
والواقع أن ظروف رحلة اليوسي تختلف عن ظروف أكثر الراحلين إلى المشرق فكانت رغبة أكثر الراحلين إلى المشرق لأداء فريضة الحج تقترن برغبة لقاء الشيوخ والجلوس إليهم والاستفادة منهم بالأخذ مباشرة أو بالإجازة أو غيرها. ولم يكن اليوسي حين رحلته إلى المشرق يحمل الرغبة في ذلك. فاليوسي لحظة رحلته كان قد أضحى شيخ شيوخ المغرب، وكان في آخر مراحل حياته إذ كان عمره يتجاوز الستين سنة، وكان قد بلغ مرحلة النضج الفكري والتأليفي. ولذلك لم يكن له اهتمام بالبحث عن الشيوخ للاستزادة من العلم. ولم يكن صاحب رواية فيبحث عن الأسانيد والروايات ويتصل بالشيوخ ويجمع الإجازات، وإنما كان رجل دراية، وقد استوفى الطاقة منها في أعماله التأليفية، بل إن اليوسي كان قد سبقته أخباره وتآليفه إلى المشرق، لذلك لم يكن منتظرا من اليوسي أن يبحث عن الشيوخ ومجالسهم كما يفعل أكثر الراحلين من طلاب العلم إلى المشرق. ولم يكن يغشى مجالسهم أو يحوم حول حلقاتهم. بل كان ينتظر – وقد سبقته شهرته العلمية وذاع صيته التأليفي – أن يقصده طلاب العلم وشيوخه في مختلف المناطق التي مر منها، للأخذ عنه والاتصال به. ولما لم يحدث ذلك إلا في نطاق ضيق، كان ما أبداه اليوسي من تبرم وتضجّر، وكان ما صدر منه بأن المشرق قد غاب منه العلم وجفت آباره ونضبت عيونه.
والذين تحاملوا على اليوسي في قولته[15] تلك لم ينظروا إليه من زاوية شيوخة اليوسي، وإنما غابت عنهم مختلف الظروف المحيطة به وبشخصيته العلمية. ولذلك استغربوا أن يصدر ذلك من اليوسي في اللحظة التي يسجل فيها معاصروه من شيوخه وأقرانه وتلامذه في رحلاتهم وفهارسهم مجالس العلم بالمشرق ونشاطها وحركتها ودأب شيوخها في الإقراء والتعليم. لذلك لم يبرزْ الجانب العلمي في رحلة محمد اليوسي واسعا، وإن لم يغب نهائيا. ففي مصر يفد الشيخ محمد الخرشي شارح خليل على جلالته وقدره على اليوسي للقاء به، فيستقبله اليوسي بترحاب، فقرأ على اليوسي في بعض المجالس شيئا من البخاري، وختم الأمر بإجازة اليوسي له على ذلك[16].
وقد بسط كاتب الرحلة ترجمة الخرشي المذكور فعرف به ووصفه خلقه وخلقا.
وفي طرابلس تتصل جماعة من أهل العلم الموجودين بها آنذاك من أهلها وأهل صفاقس بالشيخ اليوسي ويستدعون منه الإجازة بكتابه المحاضرات وبقية مؤلفاته ورواياته. ولما كان الاستدعاء منظوما فقد كلف الشيخ اليوسي ولده فينوب عنه في كتابة الإجازة للمذكورين أيضا نظما، ثم عقب عليها اليوسي بالتصحيح والتصديق على ذلك[17].
ومن المستفيدين من هذه الإجازة محمد بن أحمد المكني[18] وهو الذي نظم الاستدعاء وقدمه باسمه، واسم رفقائه الطالبين في الإجازة، وهم عبد السلام بن عثمان الأسمر الحفيد[19]، وعلي النوري الصفاقسي[20].
وفي الرحلة جانب أدبي لا بأس به تمثل في بعض المقطعات الشعرية التي صدرت عن الشيخ اليوسي أو من كاتب الرحلة. ففي مرحلة الذهاب عند بياتهم بوادي البسابس أصابتهم "وغْرة شديدة، فقال الشيخ حفظه الله هذين البيتين ارتجالا[21]:
وعسى أن يكون لطف من الله، ولطف الإلـه أمر خفي
لو تضيق الأمور للعبد فالله لطيف بعبده  وحفـــي"
وقد كلف ولده أن يزيد عليهما فقال الابن
ربنا إننا جزعنا وعدنا لحماك فامنن علينا بلطف
لا تؤاخذ مولاي عبدا بنكر إن عصاك وحاد عن كل ....
إنك المحسن الرؤوف الجواد المنعم المفضل الرحيم بضعف
أسأل الستر يا رحيم على من راح من رقة وطيش وخوف
.....
ومثل هذا ما صدر من اليوسي أثناء مرورهم ببسكرة، "وهي بلدة كثيرة النخيل، إلا أن ماءها مالح أيضا. ثم ارتجل سيدي الوالد .... هذه الأبيات لما خطر بباله ... فكتبتها عنه وهي قوله[22]:
يسخو البخيل بذاته فيزيلها
إن البخيل حياته بالمال لا
لكن كريم النفس من يربو بها
ويقي بدنياه الدنيئة عرضه


في حزمة للناس لا بالمال
بالمجد والإتيان ذي الآمال
عن كل ما دام وعن إذلال
ويشيد مجد الجود والأفضال
 
وأخيرا تبقى رحلة اليوسي (الابن) هذه بين صنف الرحلات الحجازية واضحة ومميزة بما تحمله من صور نشاط الشيخ اليوسي في آخر مراحل حياته، فتنقل لنا أطوار رحلته الحجازية وظروفها ووقائعها ووصف مراحلها، وما مثلته من ملامح الاتصال الثقافي بين المغرب ممثلا في اليوسي، وبين بعض علماء مصر وطرابلس.
بالإضافة إلى ما يمثله أسلوب الرحلة من أدبية كانت مجال الاختبار عند الأديب اليوسي (الابن) في إنتاج هذا النص، لأنها تحمل من سمات الإلحاح في التعبير والإصرار على صياغة لغته. وقد باتت أكثر تعابيرها هادئة ومصائبة. فجمعت بين إيجازها انصياع اللغة وطواعيتها لتستجيب لرغبة التعبير الملحة، مع السعي إلى توفير جانب من المحسنات البديعية، وخاصة منها الاسجاع.



[1]  - منها مخ خ ع : ك 1418 – ومخ خ ح : 2343 وهي المعتمدة في هذا العرض. وسيرد تحليلها المفصل بعد قليل.
[2]  - تختلط ترجمته مع ترجمة أخيه محمد الكبير المتوفى سنة 1107، والمترجم به في: النشر 3/73 – تنظر ترجمة محمد – بالفتح – في: رحلته: في غير موضع – الرحلة الناصرية: 2/175 – نزهة الناظر 1/111-112 – كناشة الصالح الشرقي الثانية: 42، مخ خ ع: ك 1108 – الأعلام للمراكشي 6/5 – المصادر للمنوني 1/188-196 – الفقيه أبو علي اليوسي للمضغري: 119.
[3]  - منها عدة نسخ مخطوطة: مخ خ ع: ك 1418 – ومخ خ ح 2343 وهي المعتمدة في هذا العرض.
[4]  - راجع نسمة الآس للقادري: 62 أ، مخ خ ح 8787 – ورحلة اليوسي: 15.
[5]  - نسمة الآس: 61 ب.
[6]  - رحلة اليوسي: 12.
[7]  - رحلة اليوسي: 11.
[8]  - رحلة اليوسي: 12.
[9]  - رحلة اليوسي: 21.
[10]  - رحلة اليوسي: 8.
[11]  - رحلة اليوسي: 13.
[12]  - رحلة اليوسي: 10 – وراجع عن النبي خالد: رحلة الورثيلاني: 87.
[13]  - رحلة اليوسي: 17 وما بعدها.
[14]  - رحلة اليوسي: 54.
[15]  - راجع فهرس الفهارس 2/1156 – وراجع مناقشة ذلك عند الأستاذ عباس الجراري في: عبقرية اليوسي 41 وما بعدها، وقد بين الحقائق الغائبة.
[16]  - رحلة اليوسي:24/ توفي الخرشي عام 1102 – تنظر ترجمته في: نشر المثاني 3/18 – رحلة العياشي 2/359 – المنح البادية 75 م مخ خ ع: ك 3251 – الفكر السامي 2/284.
[17]  - رحلة اليوسي: 15 وما بعدها – وقد أتحفني الأستاذ الكبير أبو القاسم كرو بمصورة لنص الاستدعاء والإجازة مأخوذ من أحد الكنانيش، مقدما له الناسخ الذي نقله من خط أحد المستفيدين من الإجازة المذكورة بما نصه: "الحمد لله، ومما وجدته بظهر كتاب المحاضرات للشيخ... بخط الشيخ خاتمة علماء محروسة طرابلس أبي محمد عبد السلام بن عثمان... الأسمر ..."
وفيه حينما عرض نص الاستدعاء، "فأجاب ابنه على لسان والده، لأنه كان ضعيفا بما نصه".
[18]  - في رحلة العياشي 2/284 حديث عن محمد المكني، وقد لقيه العياشي واستعار منه بعض الكتب – وفي شجرة النور 322 أحمد بن محمد المكني، وذكر أخذه على اليوسي في رحلته الحجازية/ وكانت وفاته 1122 – وسماه أحمد أيضا في: تراجم لبعض أعلام ليبيا لمؤلف مجهول: 218. تحقيق: عبد الحميد الهرامة، مجلة الوثائق والمخطوطات، سنة أولى، عدد أول، 1986، ليبيا.
[19]  - ترجمته في: شجرة النور: 318.
[20]  - توفي 1118/ ترجمته في: ذيل بشائر الإيمان: 127 – شجرة النور: 321.
[21]  - رحلة اليوسي: 9 وما بعدها.
[22]  - رحلة اليوسي: 11. 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق