رحلة الشريف عبد الهادي الحسني السجلماسي المدغري، النصف الأول
من ق: 13 هـ - 19 م)
و الغالب على الظن انه رافق ابا القاسم الزياني مؤرخ الدولة
المغربية في عصر السلطان مولاي سليمان (1792-1822) العلوي الحسني و السلطان مولاي
عبد الرحمان (1822-1859م)، (1236-1274ه).
و في رحلته هاته اهتم بوجه خاص بمسالة
المناسك و المنازل المشهورة الكبرى، و لكنه خص مسالة الأشراف بوجه خاص بالملاحظة و
التسجيل و إن كان نظره موجها نحو مسالة العلاقة النسبية بين أشراف المغرب و أشراف
الحجاز، و خاصة مواطن أشراف السلالة المغربية في الحجاز حيث اهتم بمدينة ينبع
النخيل و أشرافها، ثم أحيانا يستطرد الكلام على الأشراف الحاكمين بالحجاز، و بدلك
جاءت رحلته عبارة عن مستندات تاريخية تخص مسالة الشرافة و أشراف كل من مكة و المدينة
و جدة و ينبع و الطائف، و حاول أن يضبط الروابط التاريخية بين أشراف المغرب و
أشراف الحجاز، خصوصا في المراحل التي أسس فيها أشراف المغرب سلطة سياسية قائمة به
مند أن أسسوا في سجلماسة مملكتهم العلوية، و تمكنوا بعد دلك من تأسيس الدولة
العلوية في منتصف القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي، و اهتم صاحب
الرحلة بالروابط السلالية بين المشرق و المغرب، و لدلك سمى القسم الأول منها بتحفة
الحادي المطرب في نسب أشراف المغرب، و
هكذا أحالنا ين حين لآخر على وضع الأشراف الدين كانوا يتولون حكم الحجاز باسم
السلطان العثماني، و أحيانا باسم أمير الدرعية من آل سعود
و يعتبر هذا الجزء الأول من رحلة المدغري
مدخلا لرحلته الحجية التي دونها بعد عودته من ارض الحجاز و إكماله لمناسك الحج، و
لكنه لم يعطها عنوانا تعريفيا بها حسب المخطوطة التي بين أيدينا، إذ يحكي فيها ما
حصل له في بلاد الحجاز و ما تعرض له في الطريق من صعوبات و مشاكل، لكنه كان يستطرد
الحوادث التاريخية، و لعله كان متأثرا بالمؤرخ أبي القاسم الزياني الذي كان يؤطر
ركب الحج الذي كان في رفقته محمد بن عبد الهادي المدغري الحسني السجلماسي، و لا
نملك معلومات تفصيلية عليه سوى انتمائه لمنطقة مدغرة و أشرافها الحسنين، و في
إشارة له يمكن أن نستفيد من القسم الثاني الخاص برحلته انه من حفدة وسلالة الشيخ
الفقيه عبد الله بن علي بت طاهر الحسني السجلماسي المتوفى سنة 1042 هـ،(36) ونسجل
على هذه الرحلة كونها لم تسجل الأحداث الخاصة كما هو معروف في الرحلات الحجية
التقليدية، ولعل ذلك يرجع إلى أن المدغري ترك لأبي القاسم الزياني الذي اهتم
بالموضوع اهتماما متخصصا، فهي في اهتمامها العام تمثل رؤية فقهية يهتم بمشكلة
الأشراف بالمشرق والمغرب وبالأحداث التي تعرضوا لها عموما، ومن هنا يمكن تسميتها
بسجل الشرافة لأجل توثيق الروابط بين أشراف المغرب والمشرق.
وهكذا كان يطرح من حيث لآخر قضية لها أهميتها التاريخية على
مستوى العلاقات الاجتماعية بين الأسرتين الشريفتين، وهي مسألة الصلة المادية التي
كان يقدمها ملوك المغرب، وخاصة في عهد الأشراف العلويين لأشراف الحجاز وفقرائهم
بمدينة ينبع النخيل،وهذه الرحلة لم تعط اهتماما للمشاكل الداخلية والسياسية التي
كانت تعيشها بلاد الحجاز في مرحلة النصف الأول من القرن العشرين، ولكنها أشارت
بوجه خاص إلى الفيضان الذي أصاب الكعبة عام 1240هـ، والإصلاح الذي قام به السلطان
مراد العثماني في بيت الله الحرام، فهو بذلك لم يحشر نفسه في المشاكل الخلافية
الداخلية بين أهل الحجاز والقوات المتنافسة فيه، كما أنه لم يشر إلى المخلفات
الحكم التركي والعثماني التي كانت في صورتها العامة تمارس سلطة التمييز بين ما هو
تركي عثماني وما هو عربي غير ذلك.
وقد عثرنا على هذا النص بين أدبار المخطوطات في خزانة خاصة
بمدغرة بتافيلالت، وقد كانت أوراقها مشتتة حاولنا جمعها قدر المستطاع، إلا أنها
كانت تعبر فعلا عن رحلة حجية مغربية، ويغلب على الظن أن صاحبها كان يحاول إتمام
رحلته في تدوين مشاهداته. فالنص الذي بين أيدينا ما هو إلا بداية لرحلة حجازية
نأمل العثور على نصوصها المتممة لنصها الكامل، ولدينا مؤشرات عملية للوصول إلى
ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق