رحلة محمد بن أبي بكر الأزاريفي "أزهار البساتين في
الرحلة إلى السوادين" التي سجل فيها انطباعاته إبان زيارته بعض الدول
الإفريقية، وتعتبر هذه الرحلة نصا فريدا في الأدب المغربي عامة، باعتبار مجال
السفر حيث تقل بل تندر نصوص مشابهة تتحدث عن رحلات إلى الجنوب مقارنة بنصوص وافرة
عن الرحلة الحجازية أو الأوربية.ويعتبر هذا النص نموذجا للرحلة السياحية لدى
الكتاب السوسيين.
يتضمن الكتاب رحلة الأزاريفي في ركاب محمد الحبيب بن محمود
التيجاني وهو أحد رؤساء الطريقة التيجانية بالمغرب، إلى عدة بلدان جنوب الصحراء
الكبرى هي بالترتيب : السنغال، مالي، النيجر، نيجيريا ساحل العاج،غينيا. وهدف
الرحلة تفقد أتباع الطريقة التيجانية بالدول المذكورة.
استهل المؤلف رحلته بمقدمة طويلة في ستة عشر صفحة عن فوائد
السفر وقسّمه إلى سفر طلب وسفر هرب وفصل أقسام كل منهما مبرزا حكمها الشرعي مستشهدا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية
والأشعار المختارة، ثم ابتدأ الحديث عن دواعي الرحلة، فقال : "وبعد فقد
ناداني داعي الفلاح للرحلة إلى القطر السوداني صحبة من رفقته غنم وعنوان الرباح
الشريف الأصيل التجاني سيدي محمد الحبيب بن سيدي محمود التجاني فأجبت منادي الفلاح
مستنشقا من نسيمه العطر الفواح …".
ابتدأت الرحلة يوم الخميس ثالث رجب عام 1373 جال فيها المؤلف
دولا عدة حسب المراحل التالية :
الأولى : انطلاق المؤلف من الدار البيضاء إلى
دكار عاصمة السنغال والمقام بها نحو ثلاثة أشهر، والتجول بين مدن هذا القطر وزيارة علمائه خاصة الشنكيطيين وغيرهم من أتباع
الطريقة التيجانية.
الثانية : السفر إلى عاصمة مالي مدينة باماكو
وزيارة مدينة سيكو ولقاء رؤساء الطريقة بها ومناقشة أمور الطريقة مع بعضهم ووعظ
المريدين.
الثالثة : الانتقال إلى مدينة نيامي عاصمة
النيجر وزيارة عدة مدن ككندام وكاو.
الرابعة : السفر إلى نيجيريا والنزول بمدينة
كانو ومدينة لاكوص.
الخامسة : زيارة ساحل العاج وعاصمتها أبيدجان.
السادسة : غينيا وعاصمتها كوناكري
لقد كانت كل مرحلة في الرحلة الإفريقية للعلامة الأزاريفي
مناسبة لمناقشة القضايا الشرعية أو الصوفية وكانت تستغرق صفحات عديدة بينما كان
يعمد إلى الاختصار حينما تحدث عن المكان والزمان والناس، كما أنه لم يهتم بضبط
تاريخ مراحل الرحلة ولا تاريخ العودة إلى المغرب، وهذا ما يبرز سمة خاصة بهذا النص
الذي لم يكن رحلة بالمعنى المتعارف عليه، فلم يكن وصفا لسفر يتوخى منه الاطلاع على
آفاق جديدة، كما لم يكن مؤلفها ذلك الرحالة الذي تدفعه الرغبة في الاكتشاف أو
المغامرة أو المعرفة لمفارقة وطنه والسياحة في الأرض إن الأزاريفي من خلال رحلته هذه لم يقدم نصا
أدبيا يصف مواجهته للمكان الغريب وللناس الأباعد الذين زارهم في رحلته الإفريقية،
ولكنه عوضا عن ذلك سافر في معارفه وأفكاره الفقهية والصوفية وكانت رحلته مناسبة
لعرض معارفه ومشربه التيجاني حيث كان حلوله بمكان جديد أو لقاؤه بأناس جدد مناسبة
لعرض مستفيض لقضية كانت مجال نقاش أو موضوع محاضرة أو موعظة مع إيراد جميع
التفاصيل والأدلة من القرآن والسنة وأقوال المتصوفة.
ومن القضايا التي ناقشها مسألة اقتداء المسافر بالمقيم في
الصلاة،جمع الصلاتين، الصلاة في الطائرة، كم السحر وتأثيره،عدد ذكر جوهرة الكمال
في الورد التيجاني رؤية الله والنبي(ص) في المنام، الحجة في تلقين الأوراد
والاجتماع عليها،التوسل بالأنبياء والأولياء والتشفع بهم، إضافة إلى ذلك أورد
الأزاريفي أشعارا كثيرة قيلت في رئيس الزاوية التيجانية بالمغرب أو خوطب بها أو ما
أبدعه من لقيهم من الشعراء كما ذيل رحلته
بالأحاديث النبوية التي ذكرها في مواعظه التي ألقاها على الخصوص بمدينة دكار.
هكذا يظهر طغيان جانب التوثيق العلمي على وصف مراحل الرحلة
ووصف المكان والناس، فحين تحدث المؤلف عن اهتمام النيجيريين باللغة العربية ومهارة
بعض أساتذتهم في القرآن وعلوم القراءات أشار إلى مذاكرة جرت بينه وبين أحدهم حول
الإمالة والقراءة بها،لكنه لم يورد نص المذاكرة بحيث يبرز مبلغ علم مذاكره وتعمقه
من علوم القرآن والعربية وعوضا عن ذلك سجل رأيه في القضية. كما كان تتبعه لشؤون
المسلمين بالبلاد التي زارها سطحيا حيث اكتفى بإشارات بسيطة إلى المساجد والعلماء
والمؤسسات التعليمية العربية الإسلامية، وكان الطاغي عليه الاهتمام بالطريقة
التيجانية وبأتباعها وأذكارها ومشاكل مريديها، ولا غرابة في ذلك ما دام أن رحلته
كانت في ركاب رئيس الطريقة الذي ذهب لتفقد أحوال الأتباع ولا يبعد أن يكون هو من
اقترح عليه تسجيلها ومن ثم كان اهتمامه منصبا على تسجيل ما يهم المريد التيجاني من
مجريات الرحلة خاصة ما تعلق منها بأركان الطريقة والأوراد والأدعية وحال المريدين
بالبلاد المزورة، ولا غرابة في ذلك فمنذ انتشر الفكر الصوفي بين العلماء والأدباء
صار أداة للنظر إلى العالم والكون ومنطلقا للتأليف العلمي والإبداع الأدبي وانكب
الرحالة على ذكر الصالحين الذين زاروهم وعلى ذكر مناقب الأحياء منهم والأموات
والتوسل بهم أكثر من الاهتمام بالقرى والآثار ومظاهر الحضارة ومكامن الاتفاق
والاختلاف بين الشعوب والأقوام وتعتبر رحلة أبي سالم العياشي "ماء
الموائد" أجلى مثال على ذلك.
إلا أن هذا لا يعني خلو الرحلة من الاهتمام بالبيئة التي زارها
المؤلف وسكانها فقد حرص على وصف كل بلد حل به وذكر موقعه وحدوده ومناخه وأهم مدنه
والمواد أو الصناعات التي يعتمد عليها في اقتصاده، كما ذكر خلال رحلته جماعة من
علماء الأقطار التي زارها ومن رؤساء الطريقة التيجانية ومن المدارس والمعاهد
العلمية وأشار إلى بعض الظواهر التي أثارت انتباهه مثل انتشار بعض مراكز التبشير
بنيجيريا فقال : "ويبلغ عدد المدارس
في جنوب نيجيريا ما بين ستة آلاف وسبعة آلاف ويتراوح عدد التلاميذ فيها ما بين 725
ألفا، ومن بينها توجد خمسون مدرسة حكومية والباقي أهلية وأوكار مسيحية تبشيرية
تمدها الحكومة الإنجليزية بإعانات سنوية" ومثل قصر دراسة القضاء في نيجيريا
على أبناء الأسر العريقة دون غيرها، قال : "...وتقضي التقاليد بأن يقع
الاختيار على أبناء العائلات العريقة في العلم والقضاء، لأن القضاء غير مشاع في
البلاد، بل هو منحصر في عائلات معينة يتوارثونه أبا عن جد، والعامة لا تحترم
القاضي الذي لا ينتمي إلى إحدى تلك العائلات ولا تحتكم إليه مهما بلغ حذقه وعلمه
بالقضاء…وهذا الأسلوب لاشك أنه يحرم الأذكياء من تعلم علم القضاء، وحدث مرة أن بعث
أحد الأمراء إلى المدرسة تلميذا عمره خمس وستون سنة لأنه لم يكن يوجد أصغر منه في
عائلته...".
وهذه الأخبار والإشارات بالرغم مما فيها من اختصار تجعل هذه
الرحلة مصدرا هاما لدراسة وضع الثقافة العربية بإفريقيا منذ حوالي نصف قرن
ومقارنته بالوضع الحاضر الذي انقلبت فيه الموازين وطغت فيه الحضارة الغربية على
تلك البلدان وتغيرت أوضاعها السياسية، كما تعتبر مصدرا لدراسة الصلات الدينية
والعلمية بين المغرب وهذه الدول انطلاقا من اشتراكهما في المشرب الصوفي، ويكفيها
أنها النص الوحيد المدون الذي اختص بوصف رحلة عالم وأديب سوسي إلى بلدان الجنوب.
-
من الأسرة العلمية الأزاريفية نسبة إلى منطقة أزاريف ولد سنة1322 بهشتوكة درس بسوس
وبفاس والرباط واستقر بالبيضاء له تآليف عديدة
أهمها شرح نظم الجشتيمي المسمى بالعمل السوسي، راجع ترجمته المفصلة بالمعسول 8/18
- أزهار البساتين- مطبعة الأندلس، الدار
البيضاء (د.ت ) ص : 16.
-
أزهار البساتين، ص:74.
-
حسين محمد فهيم- أدب الرحلات، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون
والآداب، الكويت، عدد 138
شوال1409/يونيو1989، ص : 127.
-
حسين محمد فهيم - أدب الرحلات، ص:73.
-
أزهار البساتين، ص : 74.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق