رحلة المكناسي (إحراز المعلّى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والتبرك بقبر الحبيب 1785 ) الوزير محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي
البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر
جامعة الحسن الثاني، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية،, 2005 - 427 pages
|
الاكسير في فكاك الاسير
تأليف: محمد بن عثمان المكناسي
تاريخ النشر: 01/01/1965
تحقيق: محمد الفاسي
الناشر: المركز الجامعي للبحث العلمي
النوع: ورقي غلاف عادي، حجم: 24×17، عدد الصفحات:
252 صفحة الطبعة: 1 مجلدات: 1
الرحالة السفير محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي
محمد بوكبوط
1- ترجمته :
من المفارقات المثيرة للتساؤل في مصادر تاريخ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر المغربية أنها بخلت على الباحثين بترجمة وافية وضافية لشخصية كانت لها أدوار مهمة في مغرب ذلك العهد، وخلفت للخزانة الأدبية والتاريخية المغربية ثلاث رحلات رائعة، يتعلق الأمر بمحمد بن عثمان المكناسي. وكما سجل ذلك محمد الفاسي فإن "أول من خصه بترجمة من المغاربة المؤرخ مولاي عبد الرحمان بن زيد ان.ولكن مؤرخ مكناس لم يشر إلى تاريخ وفاته ولم يتعرض بتفصيل للمناصب التي شغلها ابن عثمان، أما من سبقه من المؤرخين من الزَّياني إلى الناصري، فإنهم لا يزيدون على التلميح إلى الوزير ابن عثمان بمناسبة سفارته إلى إسطنبول وبمناسبة المعاهدة التي عقدها المغرب مع إسبانيا بواسطته، وبمناسبة وفاته"[1]، وفي مكان آخر يجزم الفاسي قائلا : "وكانت أخباره مطموسة بسبب العداوة التي كان يحملها له أبو القاسم الزَّياني"[2]، في حين أن معاصرا آخر لابن عثمان وهو الضعيف غض الطرف عن كثير من جوانب نشاطه.
كل ذلك يحتم علينا محاولة إيراد ترجمة له تساهم في شفاء الغليل، اعتمادا على أكبر عدد من المظان التي تسعفنا ببعض الشذرات والإشارات عن هذه الشخصية، التي اضطلعت بأدوار خطيرة في تاريخ المغرب خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
فسفيرنا هو أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي[3] المسطاسي[4]، ولد ونشأ بمدينة مكناسة الزيتون التي اشتهر بنسبه إليها باعتبارها مقره وداره، ومقر "الأهل والولدان والإخوان والأخدان والعشائر والأصحاب والأصدقاء والأحباب"[5] على حد تعبيره، ويعتبر آل ابن عثمان المسطاسيين من العائلات العريقة بمكناس حسب ما يفيد تقييد للمولى إسماعيل ضم مختلف عوائل المدينة[6].
ولا يسعفنا أي مصدر بتاريخ ولادته[7]، إلا أن الباحثين يستنتجون من سيرة حياته أن ولادته تمت في أواسط القرن الثاني عشر الهجري/أواخر الثلث الأول من الثامن عشر الميلادي. ويعتبر ابن عثمان سليل "أسرة عريقة في العلم وخطة التوثيق منذ بدايات العصر السعدي"[8]، فكان أبوه "مورقا وواعظا بأحد مساجد مكناسة الزيتون"[9]، مما يفيد بأن صاحبنا نشأ في وسط اجتماعي وثقافي أهله لتلقي تكوين علمي مكنه من النيابة عن والده في الوعظ وهو لا يزال شابا[10].
كما لا يخفى أن المدينة التي نشأ فيها خلال طفولته وشبابه هي حاضرة الدولة العلوية، إذ هي عاصمة مولاي إسماعيل وأبنائه من بعده، فعلى الرغم من تراجع مكانتها بعد وفاة مولاي إسماعيل بسبب ما عانته من محن خلال فترة أزمة الثلاثين سنة (1727-1757)، ثم انتقال العاصمة إلى مراكش مع اعتلاء سيدي محمد بن عبد الله العرش سنة 1757، فإنها ظلت دار ملك باستقرار كثير من أبناء العائلات العلوية بها وحرص السلاطين على مكانتها العلمية، مما جعلها في هذه الفترة مركزا مهما من مراكز العلم والتحصيل، ومستقرا لكثير من العلماء والأدباء والفقهاء[11]الذين أثروا الحياة الثقافية في هذه المدينة، وساهموا بقسط وافر في تكوين جيل من الشباب المتعلم والمتفقه كان ابن عثمان واحدا منهم، ويفيد مصدر نشره المرحوم الأستاذ المنوني مؤخرا في التعرف على بعض هؤلاء العلماء أمثال أبي محمد محمد بن عبد السلام البيجري وعبد الوهاب بن الشيخ[12].
نستشف مما تقدم أن المناخ الأسري والبيئة العامة في مكناسة الزيتون لعبا دورا أساسيا في جعل ابن عثمان مؤهلا للعب أدوار مهمة، يتضح ذلك في كون نجابته المبكرة عاملا على مخالطته وملازمته للأمراء أبناء السلطان سيدي محمد بن عبد الله[13]، بحيث كان جد مقرب من الأمير مولاي علي بن سيدي محمد الذي نظم قصائد في مدحه، وفي ذلك يورد الأمير مولاي عبد السلام بن سيدي محمد : "وله قصائد في أخينا مولاي علي...وهو الذي جذب بطبعه ورفع من قدره، وكان منقطعا إليه غمره إحسانا وإنعاما وامتنانا"[14].
من هنا يتضح أن سفيرنا نال حظا وافرا من العلم واللباقة وحسن المعاشرة، أهله لتبوء مكانة في الدوائر العليا من المجتمع المكناسي آنذاك، ولا شك أن هذه الخصال وحسن الصيت هي التي جعلت السلطان سيدي محمد بن عبد الله يضمه إلى السلك المخزني، بتكليفه بمهمة سرد وقراءة الكتب بين يديه في البداية، ثم رقاه إلى رتبة كاتب "في بساطه الملوكي"[15]؛ ولا ندري بالضبط تاريخ التحاقه بعمله في القصر السلطاني وإن أورد هو نفسه بأنه ولج خدمة المخزن في ريعان شبابه، بحيث يقول في ذلك : "لاقيتهم والفرع من شبيبتي أسود غربيب فأفنوا قوتي"[16].
ومنذئذ ارتبطت حياته بالخدمة المخزنية، حيث أبان عن إمكانيات جعلته يتسلق مدارج الرتب والحظوة عند هذا السلطان وأبنائه، إلى أن توفي سنة 1799.
والحقيقة أنه لا يمكن الحديث عن حياة ومجد ابن عثمان دون التوقف عند عهد سيدي محمد بن عبد الله (1757-1790)، الذي شهد فيه المغرب إحدى أزهى فترات تاريخه الحديث، إذ أعاد هذا السلطان الهدوء والاستقرار للبلاد بعد ثلاثين سنة من الويلات والمحن والحروب[17]، فازدهرت العلوم والمعارف على يديه، ولا عجب أن سيدي محمد كان عالما مشاركا "نسابة إخباريا حافظا لأيام العرب ووقائعها، حافظا للسير والحديث لا يجارى ولا يبارى، لأنه كان أيام خلافته بمراكش في حياة والده ولع بسرد كتب التاريخ والأدب...ولما قلده الله أمر المسلمين بعد موت والده ترك ذلك وولع بسرد كتب السيرة والحديث، وجلب المحدثين من فاس ومكناس أنقلهم إلى مراكش... وكلهم فرقهم على مساجد مراكش لتدريس العلم ويحضرون مجلسه بعد صلاة الجمعة للمذاكرة في الحديث، إلى أن صار يؤلف فيه على مقتضى غرضه"[18]، و"اشتغل بسرد كتب الحديث والبحث عن غريـبها وجلبها من أماكنها بالمشرق، ومجالسة العلماء والمذاكرة معهم ورتب لذلك أوقاتا مخصوصة ومضبوطة لا تنخرم"[19].
وظل سيدي محمد بن عبد الله طوال مدة حكمه مقربا للعلماء واصلا إياهم، فـ"كان يشاور علماء وقته في أموره محبا لهم يواسيهم بماله وذخائره"[20]، مما يفسر المكانة والحظوة التي نالها ابن عثمان وغيره من أفراد النخبة المثقفة والعالمة في عهده، كما كان هذا الاهتمام السلطاني بالعلم والعلماء حافزا على تنافس هؤلاء لنيل الحظوة والجاه[21]، في خضم سياسة عامة عول فيها هذا السلطان على إصلاح الحقل العلمي والتربوي ومناهج التدريس[22]، مما ينم عن سيادة مناخ فكري وثقافي مزدهر، وانفتاح الآفاق أمام النجباء من العلماء الشباب لتبوء مراكز علمية وقضائية ومخزنية في دولة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، التي تميزت كذلك برخاء مالي في أغلب عهده نتيجة الانفتاح على التجارة البحرية الأوربية والحصول على موارد جمركية مهمة[23].
من كل ما تقدم نقف على فداحة وجود ثغرات في ترجمة محمد بن عثمان المكناسي وإن كان ذلك لا يقلل من قيمة الرجل، خصوصا وأن جوانب مهمة من حياته مقترنة بأنشطته الدبلوماسية التي نعرف عنها الكثير، لكن تبقى مشروعية التساؤل عن عدم ترجمته من طرف كتاب التراجم الذين جاؤوا بعده، الشيء الذي يؤكد ما أورده أبو حامد الفاسي في مرآة المحاسن بقوله : "إن جماعة من العلماء وسموا المغاربة بالإهمال ودفنهم فضلاءهم في قبري تراب وإخمال، فكم فيهم من فاضل نبيه طوى ذكره عدم التنبيه، فصار اسمه مهجورا كأن لم يكن شيئا مذكورا"[24]، فضلا عن عدم قيام ابن عثمان بترجمة ذاتية وهو الذين صال وجال نثرا وشعرا، ليظل العزاء في أمل ظهور مصادر ووثائق مغمورة تعوض الفراغ الحالي.
ويجدر تناول بعض أدواره الدبلوماسية والمخزنية التي نبغ فيها وأسدى خدمات جلى لسيده السلطان سيدي محمد بن عبد الله، بحيث بعثه الأخير في شوال سنة 1193هـ/ أكتوبر 1779 سفيرا إلى إسبانيا، فأدى السفير المهمة أحسن أداء، إذ تمكن من تحرير 122 أسيرا جزائريا[25]، ونجح في إبرام اتفاقية أرانخويث في 30 ماي 1780 التي أرست العلاقات المغربية الإسبانية على ركائز جديدة، قوامها السلم والتبادل التجاري والتعاون الدبلوماسي. كما نجح بلباقته وكياسته في كسب صداقات رجالات الدولة الإسبان[26] وإعجابهم، وهي الصداقة التي ظلت وطيدة إلى آخر حياته.
ومكافأة للكاتب على هذا الإنجاز رقاه السلطان سيدي محمد إلى رتبة وزير[27]، وإذا كانت جل المصادر التاريخية - كما أشار إلى ذلك محمد الفاسي- لم تنعته بهذا اللقب[28] ما عدا عبد الرحمان بن زيدان[29]، فإننا نتوفر على إفادات جديدة تثبت تبوأه لهذا المنصب، ففي تقريضه لرحلة الإحراز أورد محمد العربي بن إسماعيل الناصري بيتا يقول فيه :
ذو وزارة وفصاحة ونباهة ينبئك عنه ما تراه مسطرا
وعنه يقول موسى بن محمد المكي الناصري مقرضا نفس الرحلة :
فرد الزمان وأوحد البلغاء والـ
فالله يبقي حالـه مترقيـــا |
ـوزراء من للعلم حاز الجاها
أوج العـلا متمكنــا برباها |
كما كتب محمد بن محمد البيجري مخاطبا ابن عثمان : "وأنت أعزك الله السفير بين الملوك والوزير الذي هو في عقد الوزارة فاخرة السلوك"[30].
وفي اعتقادنا أن غلبة لقب الكاتب وعدم شيوع لقب الوزير لدى ذكر ابن عثمان يعزى إلى ما أسلفنا ذكره من غياب غير مفهوم لترجمة هذه الشخصية، وتناول حياتها وأدوارها في كتابات القرن الثامن والتاسع عشر، وبقاء ما يفيد في ردم هذا الفراغ مخطوطا أو غير معروف، بحيث لا نعرف شيئا عن ابن عثمان لمدد زمنية تطول وتقصر، ليظهر بعدها وهو في مهمة سفارية يعود الفضل في اطلاعنا عليها إلى ما دونه بنفسه. ثم إن ذكره في المراسلات الرسمية نفسها جاء مقرونا بلقب الكاتب، إذ جاء في رسالة السلطان سيدي محمد إلى ملك نابولي والتي حملها ابن عثمان نفسه : "فقد وجهنا إليكم باشطورنا الفقيه الجليل الأمين على سرنا، كاتب أوامرنا السيد محمد بن عثمان"[31].
أما ما ذهب إليه الأستاذ محمد الفاسي من كون السبب يكمن في تعويل المؤرخين على الزَّياني باعتباره المرجع الوحيد لحوادث هذه الفترة، وهو "العدو اللدود" و"المنافس الحسود" و"الغريم الحاقد" على ابن عثمان، فقد فنده بنفسه في اعتقادنا بقوله إن الزَّياني -رغم ذلك- ذكر المكناسي باسم الوزير في قصيدة تاريخية[32]، رثى فيها ضحايا الوباء الذي ضرب المغرب سنة 1213هـ/1799 وكان ابن عثمان من بينهم، حيث يقول أبو القاسم : "ثم محمد بن عثمان الوزير أخذ من وفر ومن در كثير"[33].
ومما ينم عن ثقة السلطان سيدي محمد في ابن عثمان وتعويله على كفاءته كدبلوماسي مقتدر في القيام بمهمات حساسة يعلق عليها السلطان آمالا كبيرة في تنفيذ سياسته، إرساله على رأس سفارة ثانية إلى جزيرة مالطة ومملكة نابولي سنة 1195هـ/1781، مكلفا بالتفاوض حول تحرير الأسرى[34] مع الأولى، والتوقيع الرسمي على انضمام الثانية إلى معاهدة الصداقة المغربية الإسبانية، وكذا التفاوض حول استرداد مركب مغربي أسره النابوليتانيون، مفوضا إياه كامل الصلاحيات.
وقد أبان السفير مرة أخرى عن مهارة دبلوماسية فائقة، إذ يورد في كتابه "البدر السافر" أنه أثناء مقامه بمالطة وبعد أن بدأت عملية افتداء الأسرى، كادت العملية أن تجهض بسبب انتشار موجة من "القيل والقال من أهل البلد"[35]، الذين توجسوا من طول مقام السفارة وإبقاء الأسرى المسرحين-البالغ عددهم ستمائة وثلاثة عشر- في العاصمة، ثم جواب ابن عثمان حكام الجزيرة لدى سؤالهم عن موعد سفره مع الأسرى بقوله : "حتى ترد علي خمسة مراكب لمولانا المنصور بالله من مراكب الحرب"[36]، مما أثار الذعر وسرت مخاوف حقيقية من أن مكيدة تدبر للهجوم على الجزيرة، وكادت الأمور تتطور إلى الأسوأ كما يفصل في ذلك، إلا أن السفير تسلح بالصبر ورباطة الجأش، وشحذ كل ما لديه من أسلحة دبلوماسية، حتى تمكن من ترحيل هذا العدد الكبير من الأسرى وإرسالهم إلى ليبيا وتونس، فنجح بذلك في قضاء غرض عزيز على السلطان سيدي محمد بن عبد الله.
بعد رجوعه من مهمته بمالطة ونابولي، مضت ثلاث سنوات اختفى فيها من الحوليات التاريخية المتوفرة، والغالب كما يذهب إلى ذلك محمد الفاسي أنه قضاها في ممارسة مهامه بالقصر السلطاني وإن كنا لا نعلم شيئا عن تفاصيلها[37].
ومما يدل على الغموض الذي يلف حياة المترجم له وأدواره في مخزن السلطان سيدي محمد بن عبد الله، أن ابن زيدان يشير إلى ما ذكره الإيطالي دي همسو بخصوص توجه ابن عثمان إلى فيينا أيضا خلال سفارته التي قادته إلى نابولي سنة 1782، ولم يفت ابن زيدان التنبيه إلى أن دي همسو ينفرد بذكر سفره إلى النمسا، وإن لم يتوفر -ابن زيدان- على ما يثبت ذلك أو ينفيه[38].
والحقيقة أن هذه المعلومة ناتجة عن خلط واضح عند المؤرخ الإيطالي[39]، فابن عثمان وثق ودون وقائع سفارته وتفاصيلها في رحلته "البدر السافر"، ولم يكن ليغفل حدثا في مثل هذه الأهمية؛ ثم إننا نتوفر الآن على ما يثبت أن السفارة التي بعثها السلطان سيدي محمد إلى النمسا تزامنت مع وجود ابن عثمان ورفاقه في مالطة ونابولي، ففي 19 شعبان من عام 1196هـ/غشت 1782 كتب السلطان سيدي محمد إلى قيصر النمسا "فقد وجهنا لكم باشادورنا وهو خديمنا القايد محمد بن عبد المالك، وقد كنا عزمنا على توجيهه لكم في العام الفارط... وها نحن أمرناه يذكره لكم مشافهة منه إليكم... ونحن معكم على الصلح والمهادنة التامة"[40].
وفي سنة 1785 عين سيدي محمد من جديد كاتبه ووزيره ابن عثمان على رأس سفارة إلى أستانبول، وهي السفارة الثالثة التي يقوم بها في عهد هذا السلطان، وموضوع مؤلفه "إحراز المعلى"، مكلفا بمهمة غاية في الحساسية عهدذاك، وهي تقديم شكوى من أتراك الجزائر والتلويح بإمكانية القيام بعمل مشترك مع إسبانيا إذا لم يتراجعوا عن شغبهم بحوض البحر المتوسط الغربي[41].
وكما رأينا طوال خدمته في عهد السلطان سيدي محمد، ظهر محمد بن عثمان على مسرح الأحداث بعد وفاة هذا السلطان وتولي ابنه مولاي اليزيد سنة 1790، وكانت مناسبة هذا الظهور مهمة دبلوماسية في مستوى تلك التي كلف بأدائها، بحيث ارتبط اسمه بوقائع وأحداث لا تزال في حاجة إلى إماطة اللثام عن خلفياتها، خصوصا وأن المصادر المغربية المتوفرة لحد الآن سكتت بشكل شبه مطلق عن هذه التطورات التي لعب فيها صاحبنا أدوارا حاسمة توجت بسفارة إلى إسبانيا[42]، وما يسعف الباحث بمعطيات تاريخية عنها يعود الفضل فيه إلى الوثائق المحفوظة في الأرشيف التاريخي الوطني الإسباني، التي اعتمدها الباحثان الإسبانيان رودريكيث كاسادو وأريباس بالاو[43]، والتي تغطي مرحلة جد متقلبة من تاريخ العلاقات المغربية الإسبانية، وتؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن محمد بن عثمان ظل يتبوأ نفس المكانة التي كان يحظى بها في مخزن سيدي محمد بن عبد الله، واستمر يحظى بثقة مولاي اليزيد منذ توليه العرش إلى أن عينه سفيرا لدى كارلوس الرابع[44].
وعقب تولي مولاي سليمان حظي ابن عثمان بثقة السلطان الذي عينه وزيرا لخارجيته مطلق الصلاحية في التفاوض مع الأجناس، وقد برهن على صدق وده تجاه إسبانيا ورجالات دولتها، بحيث ختم مشواره الدبلماسي بإبرام معاهدة 1799 التي أسست لعلاقات البلدين خلال القرن التاسع عشر، إدراكا منه أن سيادة السلم والتعاون مع إسبانيا بالذات أفضل للمغرب من التوتر والاصطدام، باعتبار الجوار المباشر وتحكمها في منافذ المغرب نحو الخارج، علاوة على القوة العسكرية التي وقف السفير على مظاهرها خلال سفاراته.
بعد هذه الحياة الحافلة بالمهمات والرحلات الدبلوماسية والإنجازات على صعيد العلاقات الخارجية لمغرب النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وتخليد شهادات عن أدواره بهذا الخصوص في ثلاثة من نفائس مصادر هذه المرحلة التاريخية، والتقلب في الخدمة المخزنية طيلة عهود ثلاثة سلاطين، أسلم محمد بن عبد الوهاب بن عثمان المكناسي الروح إلى ربه، ضحية وباء الطاعون الذي سبب كارثة ديمغرافية فادحة بالبلاد سنة1799[45]. والمفارقة أن بعض المصادر المغربية أغفلت ذكر وفاة ابن عثمان وضبط تاريخها[46]، ولعل أكثرها مدعاة للتساؤل بهذا الخصوص "تاريخ الضعيف"، الذي يزخر بأخبار من هلك في الطاعون من الشخصيات المخزنية والعلماء وغيرهم وتواريخ وفياتهم باليوم والشهر[47]، مما يحملنا على الاعتقاد بأن سكوته على خبر وفاة الوزير متعمد، إذ يصعب إرجاع ذلك إلى السهو خصوصا والأمر يتعلق بغياب شخصية مخزنية وازنة[48].
2- ثقافته ومؤلفاته :
سبقت الإشارة إلى أن المترجم له نال حظا وافرا من العلم أهله لشغل المناصب التي تقلب فيها طيلة حياته، ولا غرو إن وصفه معاصروه بشتى أوصاف التقدير والإجلال لعلمه وسعة اطلاعه، فهذا أبو عبد الله محمد بن محمد البيجري المكناسي- معاصره وصديقه- ينعته بـ"المبرز في العلا المحرز للمعلى، محيي فصاحة الأوائل ومعيي سحبان وائل"[49]، مضيفا في رسالة إطراء : "إنك أسعدك الله… شجرة فضل عودها أدب وأغصانها علم وثمرتها عقل وعروقها شرف… وما كنت أظن الأيام تنتج عن عقم، أو تشفى مما كان بها من السقم، حتى طلع نجم سعدك في أفق مجدك، فأشرق إشراق الغزالة والقمر ذي الهالة، فلله أنت في القبة اليمنى سعادة لك ويمنا، وجه متهلل بالبشر متجمل... ولسان يلفظ بالجواهر الحسان وبالجمان في أخبار الزمان"[50].
وقرض معاصر آخر لابن عثمان هو محمد العربي بن إسماعيل الناصري نسخة من رحلة إحراز المعلى التي نحن بصددها بقوله :
لله درك ياابن عثمان الذي
في رحلة جمعت علوما جمة كيف لا وواضعها المرفع في الورى |
أضحت ينابع علمك تتـفـجر
عن وصفها لسن الفحول تقصر كل العلــوم فـي صدره تتقرر"[51] |
بل نجد معاصره وغريمه أبا القاسم الزَّياني- الذي اشتهر التنافس والصراع الخفي والعلني بينه وبين غيره من رجالات المخزن في ذلك العهد[52]- يعترف له بغزارة العلم والضلوع فيه عند رثائه ببيت شعري قال فيه الزَّياني : "ثم محمد بن عثمان الوزير أخذ من وفر ودر كثير"[53].
علاوة على هذه الشهادات التي نروم من خلالها استجلاء المكانة العلمية لابن عثمان وتكوينه الفكري، فإنه لا يجب إغفال ما سبق تناوله في ترجمته من كون كفاءته العلمية هي التي أهلته لتعيينه في مهمة سرد الكتب بين يدي السلطان سيدي محمد بن عبد الله، ولا ريب أن هذه المهمة في حد ذاتها قد ساهمت في تعميق تكوين صاحبنا، بفضل ما وفرته خزانة القصر السلطاني من مظان ومؤلفات متنوعة، وما تفرضه مهمته عليه من ضرورة الإطلاع الجيد، ليكون في مستوى جسامة المسؤولية العلمية التي أنيطت به وهو يقرأ الكتب في حضرة السلطان، ويجالس نخبة من العلماء والفقهاء الذين دأبوا على حضور مناظرات ومناقشات سيدي محمد بن عبد الله، ولا يخفى عامل التنافس و"الحسد" بين العلماء في مثل هذه المواقف، مما كان حافزا على مضاعفة الجهد لنيل الحظوة والحفاظ على المكانة. يتضح ذلك من حرص ابن عثمان على إقامة جلسات خاصة مع أصدقائه من العلماء والأدباء بمنزله، حيث يشتغل "بمحادثة الإخوان ومجاذبة أهذاب الآداب مع الفقهاء والأدباء أولي الألباب"[54]، وكذا حرصه على لقاء العلماء والأخذ عنهم كما سنبين أسفله.
ثم إنه كما سبق كان ملازما لمولاي علي بن سيدي محمد، أحد الأمراء العلويين العلماء الذين اهتموا بالتحصيل والدرس. وبعد وفاة سيدي محمد ومولاي اليزيد تولى مولاي سليمان الحكم وسار على نهج أبيه، فكان عالما مشاركا ومقربا للعلماء والفقهاء، وقد أخذ عنه ابن عثمان[55] ونال مكانة خاصة عنده، نظرا لتقدير مولاي سليمان لهذه الشخصية ومعرفة بمؤهلاتها.
لذلك لا عجب أن يعرف ابن زيدان صاحبنا بأنه "فقيه علامة أديب أريب نبيه، حسن البديهة قوي العارضة، شاعر مفلق نقاد كاتب بليغ، يطرز كتابته بفنون البلاغة والإنشاء وفق ما يشاء"[56].
وفي كتابه الإحراز نقف على جوانب مهمة من تكوينه العلمي واهتماماته الفكرية، إذ حرص طوال رحلته على لقاء العلماء والأشياخ المشهود لهم بالمشيخة والضلوع في العلم، فعند حلوله بدمشق في طريقه إلى الحجاز التقى "البركة سلالة العلماء والصالحين والفقيه المحدث الشيخ سعد الدين الحنفي، حفيد الشيخ القدوة العمدة سيدي عبد الغني بن النابلسي رحمه الله تعالى ورضي عنه، وحفيده هذا سلك مسلك أسلافه في الدين والاعتكاف على قراءة العلم وله مشاركة في علوم،... فأدخلني إلى مكانه وأكرمنا أكرمه الله وأراني رحلة له إلى بيت المقدس نحا فيها نحو جده، وأطلعنا على عدة تآليف لسيدي عبد الغني"[57]، وفي نفس المدينة التقى مفتي الشافعية "الفقيه اللبيب الحسيب الأديب كمال الدين الشيخ محمد بن محمد الدمشقي المشهور بالغزي الشافعي، اجتمعت معه في جامع الأموية وأدخلنا إلى بيت له في المسجد... يقعد فيه بقصد المطالعة والإفتاء، وأتى إلينا إلى منزلنا الذي كنا به"[58]، ويورد أبياتا نظمها هذا العالم في حق صاحبنا، تنم عن تقدير الشيخ الغزي واعتراف بمكانته العلمية، إذ قال فيه :
يا واحد الفضل وفرد النهى
ومن رقى مجده رتبــة ومن بميدان العلوم اغتدى لا عجب من بدر فضـل أضــا |
وأكمل الـناس مقاما وحـال
قد قصرت عنها فحول الرجال إن جال لم يبق لـــغير مجال فمن جهات الغرب يبدو الهلال[59] |
كما لقي بدمشق "مفتي الحنبلية الشيخ إسماعيل الجزاعي، فقد كان منزله بالقرب منا وكان يتردد إلينا كثيرا"[60]. وخلال زيارته للقدس الشريف التقى ابن عثمان "الشيخ البركة القدوة العارف بالله تعالى أستاذنا وشيخنا أبو السعود محمد، المأذون بالخلوة القادرية والخلوتية، وقد أخذت عنه وصافحني بمصافحة شيخه في الطريقة، السيد مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي البكري الخلوتي قطب عصره"[61]، ومما له دلالته في هذا الباب حرصه على سرد "سند شيخنا وقدوتنا وعمدتنا أبي السعود نفعنا الله به"[62]، ذلك السند المتصل الذي ينتهي عند "أمير المؤمنين الليث الغالب الإمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وهو عن قرة عينيه وابن عمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عن الروح الأمين جبريل عليه السلام وهو تلقى عن رب العزة جل جلاله وعظم فيضه"[63].
وفي طريق عودته إلى المغرب نزل السفير بتونس، فلم يفته لقاء بعض علمائها، منهم "صالح علمائها الشيخ البركة الحجة القدوة، العارف بالله تعالى الفقيه الأجل سيدي أحمد بن عبد الله السوسي المغربي نفع الله به، أجمع الناس على صلاحه وخيره"[64]، وتمتـنت العلاقة بين الرجلين بحيث تواصلا وتبادلا الزيارات طيلة العشرين يوما التي مكثتها السفارة المغربية بتونس.
كل هذه اللقاءات التي زخرت بها رحلة ابن عثمان إلى المشرق لم تكن لتمر دون الاستفادة والإفادة، إذ المعروف والمشهور طوال تاريخ المغرب أن من بواعث الرحلة إلى الشرق "طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال"[65]، وكذا اقتناء الكتب وارتياد المكتبات بالمراكز العلمية الشهيرة. فصاحبنا مكث سنة تقريبا بأستانبول تمكن خلالها من زيارة المكتبات التي يقول عنها : "وأما ما في هذه المدينة من خزائن الكتب المعتبرة التي لا يوجد مثلها في سائر البلاد، فشيء لا يفي به تقرير ولا يؤديه تعبير، كل مسجد له خزانة وهناك خزائن أخر من غير المساجد"[66]، كما يذكر إطلاعه على بعض الكتب لدى بعض العلماء الذين لقيهم خلال رحلته. وتكفي قراءة مخطوطه للتأكد من حقيقة رجوعه إلى مظان عديدة في مختلف العلوم والفنون، نقل منها فصولا طويلة ضمنها مؤلفه، الشيء الذي يدل على اهتمامه بالكتب والمصنفات واقتنائها رغم عدم ذكر خبر شرائها كما فعل الزَّياني[67] وغيره.
والحقيقة أن ابن عثمان على غرار الرحالة المغاربة في مختلف العصور- وكما ذهب إلى ذلك الحسن الشاهدي- كان قد اكتمل تكوينه الثقافي وإلمامه بفنون مختلفة من العلوم، مما يؤكد أن لقاءه مع الشيوخ والعلماء لم يكن بهدف التلقي والأخذ عنهم فقط[68]، بل وكما يتضح من خلال رواياته نال إعجاب واحترام محدثيه ومناظريه من العلماء، الذين أطروا على ملكته الأدبية وسعة أفقه العلمي، وإن كانت منزلة العالم المغربي تسمو واحترامه وتوقيره يزدادان بعد رحلته إلى المشرق، وأكيد أنه كان مدركا لهذه النظرة لدى معاصريه، فهو يعدد في بداية مؤلفه فوائد الترحال والتنقل في البلاد ليعلن أنه : "لا يبلغ المرء في أوطانه شرفــا حتى يكيل تراب الأرض بالقدم"[69].
فجاءت رحلته إحراز المعلى"جامعة لعلوم جمة يقصر لسان الفحول من العلماء عن وصفها، وشاربة من كل زلال علم حكمة" على حد تعبير مقرضها محمد العربي بن إسماعيل الناصري[70]، مما يحمل على الاعتقاد أن ابن عثمان أراد بدوره أن يثبت ذاته، ويبرهن على علو كعبه في ميدان التأليف والتصنيف رغم تواضعه المعلن في بداية ونهاية مؤلفه، حين يطلب ممن "كسبه أو كتبه أو قرأه أو طالعه أو تأمله أو راجعه من إخواننا المؤمنين وأوليائنا الموقنين، أن ينظره بعين الرضى والتجاوز والصفح والإغضاء، لا بعين الانتقاد والاعتراض والسخط"[71].
من كل ما تقدم لا يسع الباحث إلا الاعتراف بالتقدير والاحترام لرجل من رجالات الدولة المغربية الحديثة، لعب أدوارا دبلوماسية حاسمة وتفطن لتدوين مذكراته ومشاهداته عن سفاراته التي تسعفنا بمادة تاريخية ثمينة، وتثبت ملكاته الأدبية شعرا ونثرا وثقافته الفقهية.
فأولى رحلاته تلك الموسومة "الإكسير في فكاك الأسير"ألفها عن سفارته الأولى التي ساقته إلى إسبانيا سنة 1193هـ/1779 –1780، ونجح في إبرام معاهدة صلح وتجارة بين المغرب وجارته الشمالية، واضعا بذلك حدا لقرون من العداء والتنافر بين الدولتين. وقد نشرت هذه الرحلة بتحقيق من الأستاذ محمد الفاسي الذي يقول في تقديمه لها : "أما مؤلفه هذا… فهو كتاب حي يصف الحياة الإسبانية في المائة الثامنة عشرة وصفا دقيقا، فهو مولع بمعرفة الأشياء والإطلاع على أصولها ومقاييسها وفوائدها، يهتم بالحياة الاجتماعية وبالنشاط الاقتصادي والثقافي، فما ترك مظهرا من مظاهر الحياة الإسبانية من رقص وتمثيل ولعب ثيران وتفسح في الميادين والشوارع، إلى غير ذلك من أوجه النشاط العام لهذه الأمة إلا وتعرض له بالوصف والتحليل"[72].
ومن الجوانب التي أثارت انتباه السفير وأفاض في تدوين مشاهداته عنها تلك المنجزات الكبرى التي كانت إسبانيا مسرحا لها آنذاك، حيث أسهب في وصف شق الطرق وبناء القناطر واستصلاح الأراضي وبناء السفن وغير ذلك من المشاريع المتصلة بالبنية التحتية، مبديا إعجابه بها مما يسعف الباحث بمعلومات قيمة عن التحولات التي كانت أوربا تمور بها في ذلك العهد[73].
إلى جانب وصفه الدقيق والشامل بدا ابن عثمان في الإكسير شخصية متنورة ومتفتحة، إذ اتسمت مواقفه من مظاهر الحياة المختلفة في هذا البلد المسيحي بالتسامح والتفهم إلى حد بعيد، إذ حضر مثلا حفلات الرقص المختلطة التي أقيمت على شرفه، مقدما عنها وصفا محايدا ومعتبرا إياها من صميم تقاليد المجتمع الإسباني وعوائده، كما لم يبد أي تلكؤ في إيراد تفاصيل دقيقة عن الديانة المسيحية بطقوسها وأعيادها، إلى غير ذلك من المعلومات التي تتضح أهمية تدوينها عندما نستحضر إطارها التاريخي العام، فهي شهادات سفير وفقيه مسلم عن أوضاع بلد مسيحي من دار الكفر ظلت صورته في المخيلة الشعبية تغذيها قرون من الصراع والمآسي.
أما ثاني رحلاته فهي المعنونة بـ "البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر"، دون فيها يومياته ومشاهداته خلال السفارة التي بعثه فيها سيدي محمد إلى كل من مالطة ومملكة نابولي سنة 1195هـ/ نونبر1781.
وكما يتبين من عنوان الكتاب كانت المهمة الأساسية التي كلف بها افتداء الأسرى المسلمين بجزيرة مالطة، فساق جزئيات غاية في الأهمية عن الظروف العصيبة التي أحاطت بالعملية، حيث يورد أن "ما وقع في شأن الأسارى… صيرنا سكارى وما نحن بسكارى"[74]، لكنه نجح في تحقيق غايته بإطلاق سراح ستمائة وثلاثة عشر أسيرا، وجههم في مراكب إلى كل من تونس وصفاقص وطرابلس وبنغازي[75].
لم يقتصر على سرد وقائع افتكاك الأسرى، بل ضمن رحلته وصفا لأحوال جزيرة مالطة ونبذة من تاريخها. أما نابولي فقد خصها بدورها بصفحات تناولت أحوالها المختلفة، من ذلك وصف عمرانها وأسواقها وحدائقها وقصورها، وزيارة مسرحها ومتحفها وأديرتها وسيركها وغير ذلك من المرافق الاجتماعية والثقافية، والوقوف على منشآتها الصناعية وإيراد موجز لتاريخها.
وفي هذا الصدد نتفق مع ما كتبته باحثة إيطالية عن البدر السافر لِمَا أسعفها به في تسليط أضواء على واقع مدينة نابولي حيث تقول : "حري بنا أن نذكر أن السفير كان يصف بدقة متناهية التفاصيل الكثيرة الخاصة بالأماكن والمعالم التي سنحت له الفرصة بزيارتها"[76]، خالصة إلى القول بأن "الكاتب شخصية عجيبة ذو اهتمامات مختلفة وعقلية متفتحة، يقيم كل ما يراه وكل ما يقابله، ويصفه ببساطة الأسلوب المفعم بالحيوية والبارق بالحذاقة والذكاء، دون أن يقع في المبالغة والابتعاد عن الواقع"[77].
علاوة على ذلك ينفرد البدر السافر بمقامات طريفة أبدع فيها ابن عثمان في هجاء رفاقه في البعثة. فإضافة إلى قيمتها الأدبية تكشف للباحث عن خبايا هامة لا يمكن إنكار تأثيرها على المهام الدبلوماسية، وتسلط الضوء على جوانب من العلاقات السائدة آنذاك في صفوف النخبة المخزنية، حيث فضح السفير مجموعة من الممارسات السلبية التي كان يقترفها العديد ممن "انتمى إلى العدالة وتسربل ببهتان يفتريه ويتبع جداله… يتظاهرون بالزهد وهم أشد الناس حرصا"[78].
ورغم قساوة مآخذه على رفاقه إلى حد قد يبدو متحاملا، فإن الظواهر التي تناولها تنم عن جرأة وصراحة في إماطة اللثام عن العديد من الجوانب التي قلما تلتفت إليها المصادر التقليدية، خصوصا والرجل ينتمي لسلك الوظيفة المخزنية وبالتالي كان مطلعا على بواطن الأمور، ولم يسعفه ضميره في السكوت عن بعض المؤامرات الوضيعة أو التواطؤ مع مدبريها[79]، خصوصا وقد كادت تفشل مهمته في افتداء الأسرى، نظرا لما عكسته سلوكاتهم من صورة سلبية لدى الأوربيين، تماما عكس ما كان السفير مدركا إياه وحريصا على السير على هديه باعتباره دبلوماسيا محترفا، ففي ذلك يقول ناصحا المسافر إلى أوربا : "فإنه ينبغي لمن يسلك بلاد النصارى أن يكون ذا نفس أبية، في الرفاهية رابية وهمة عالية ومروءة للرذائل قالية، حتى لا يلتفت إلى ما يموهون به أولئك النصارى من زخاريفهم فتا من غير تنيا، بل ومع ذلك تكون يده هي العليا ويعم عطاؤه الأكابر والأصاغر… ويمر أفعاله وأقواله بالقوانين… ويعتبر في ملاقاته مع الناس المقادر والمراتب والدرجات والمناصب… وإلا فليزم مكانه ولا يتعدى أوطانه"[80].
موجز القول إن السفير والوزير محمد بن عثمان أجاد في هاتين الرحلتين السفاريتين، اللتين بفضلهما نستطيع تكوين فكرة عن نظرة سفير مغربي إلى مجتمعات أوربية غريبة والصورة التي نقلها عن أوضاعها، بحيث نقف مثلا على أن التحولات التقنية والتنظيم المحكم لمظاهر الحياة لديها أثارت انتباه وإعجاب السفير، وأورد عنها روايات تنم عن استحسانها، لكن الأمر كان لا يزال بعيدا عن إدراك خطورة تلك التحولات في توسيع الهوة بين تلك المجتمعات والمغرب. إضافة إلى ذلك تسعف الرحلتان بمعلومات تاريخية قيمة عن أوضاع حوض البحر الأبيض المتوسط والأدوار التي قام بها السلطان سيدي محمد بن عبد الله، سواء من حيث الجهود المبذولة من طرفه لتحرير الأسرى، ومن ثم إيجاد حل لمعضلة من أكبر المعضلات المسؤولة عن توتر العلاقات بين العالمين الإسلامي والمسيحي، وجعلت منه رائدا من رواد تحرير العبيد الذين تعالت أصوات المنورين في أوربا آنذاك بوضع حد لمآسيهم، أو من حيث العمل على ربط صلات تجارية وإبرام المعاهدات والاتفاقيات لحماية مصالح الأشخاص والدول بالقانون، علاوة على تنظيم الملاحة البحرية بعد الفوضى التي زرعتها عمليات القرصنة المتبادلة على مر القرون، كل ذلك ساهم إلى حد بعيد في استتباب الأمن والسلم في حوض المتوسط.
أما الرحلة الثالثة التي وضعها فهي التي اختار لها عنونا "إحراز المعلى والرقيب في حج بيت الله الحرام وزيارة القدس الشريف والخليل والتبرك بقبر الحبيب"، ألفها عن سفارته الثالثة في عهد سيدي محمد التي قادته كما سنفصل إلى كل من أستانبول والشام والحجاز وفلسطين وتونس والجزائر، حيث استغرقت"هذه الغيبة المباركة ثلاث سنين تنقص مقدار شهر ونصف" على حد تعبيره[81].
ورغم الطابع الرسمي للرحلة بتكليفه بمهمة دبلوماسية، فإنه يشير إلى اشتياقه إلى حج بيت الله كدافع على رحلته إذ يقول : "ولما طال تشوقنا إلى حج بيت الله الحرام، وتشوفنا إلى أن ننال من زيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام غاية القصد والمرام، وشبت في الأحشاء من شدة الوجد نار لها ضرام، ناديت متمثلا وإلى جانبه العزيز متبتلا :
فلا تنسني يا خير من وطئ الثرى فمثلك لا ينسى لديه خديمه
فهبت علينا نفحة من نفحاته الطيبة، ولاحظتنا عناية من عناياته محركة، إلى فنائه العزيز مقربة، فعيننا سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وحصن الإسلام والمسلمين... وأمرني أدام الله اعتناءه وخلد في الدهر بالجميل ثناءه، أننا إذا تقضينا من القسطنطينة غرض الرسالة مع تحصيل رؤية بدر تلك الهالة، نستعد للسرى إلى أم القرى، لنتقضى مناسك الحج ووظائف العج والثج، ونفرق هديته على أهل الحرمين الشريفين التي أصحبنا وبثوابها أتحفنا"[82].
تزخر هذه الرحلة بصفحات طويلة يبدو فيها السفير نهما في طلب العلم والإطلاع على مظان وتآليف العلماء، وحريصا على لقاء الأحياء منهم والتناظر معهم، ومن ثم نجده لم يخرج عما عرف عن العلماء المغاربة من حرص على علو السند، و اعتزاز بلقاء العلماء ومجالستهم والتناظر معهم[83]، مما يجعل من رحلته فهرسة كبيرة[84]، علاوة على حرصه الشديد على زيارة قبور وأضرحة الأنبياء والأولياء والصالحين، مما يجعلنا أمام رحلة جمعت بين صفات درج الباحثون على اعتمادها في تصنيف الرحلات، فتبدو سفارية وحجازية وصوفية وعلمية وفهرسية.
اعتمادا على هذا الإرث الذي خلفه محمد بن عثمان المكناسي، لا نملك في اعتقادنا إلا أن نقلده لقبا يستحقه عن جدارة واستحقاق، وهو لقب أغزر مؤلفي الرحلات السفارية في تاريخ المغرب الحديث. ومما له دلالته في هذا الباب أنه ألف رحلتين عن سفارتيه إلى أوربا ورحلة عن سفارته إلى الدولة العثمانية، ونكاد نجزم أنه كانت له نية تأليف كتاب عن سفارته الأخيرة إلى إسبانيا في عهد مولاي اليزيد، لكن التقلبات والتطورات السياسية التي عاصرها وكان أحد صانعيها في بداية عهد مولاي سليمان شغلته عن ذلك، ثم إن القدر لم يمهله إذ توفي في طاعون سنة 1799.
[1] - محمد الفاسي : "الكاتب الوزير محمد بن عثمان المكناسي"، مجلة تطوان، العدد 5، 1960، ص. 7.
[2] - محمد الفاسي : "الرحلات السفارية المغربية"، مجلة البينة، عدد 6، السنة 1، 1962،، ص. 20.
[3]- ابن زيدان : الإتحاف، ج. 4، ص. 159؛ محمد الفاسي، "مقدمة" الأكسير في فكاك الأسير، الرباط، 1965..
[4]- ينفرد المرحوم محمد المنوني بإضافة هذا اللقب إلى المترجم: المصادر العربية لتاريخ المغرب، ج. 2، الرباط، 1989، ص. 52.
[5]- ابن عثمان : رحلة المكناسي، إحراز المعلى والرقيب...، دار السويدي للنشر والتوزيع، أبو ظبي، الإمارات العربية، والمؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2003. ص. 269، وسنحيل على الرحلة لاحقا بعنوان "الإحراز".
[6] - نسخة من الوثيقة تفضل الأستاذ محمد اللحية فأطلعنا عليها مشكورا.
[7] - لا ندري المصدر الذي استقى منه بيثنتي رودريكيث كاسادو معلومته التي انفرد بها، حيث ذهب إلى أن ابن عثمان ولد بتارودانت حوالي سنة 1730، وكان والده باشا عليها! أنظر : Rodriguez Casado,V.: "Apuntes para una biografia: El Talbe Sidi Mohamet ben Otoman" , revista de la universidad de Madrid, tomo 2, 1942, p. 124.
[8] - محمد المنوني وامحمد بن عبود : "رحلة ابن عثمان المكناسي إلى القدس الشريف ومناطق من فلسطين"، المناهل، عدد 39، السنة 16، 1990، ص. 20.
[9] - محمد الفاسي، 1960، مقال سابق، ص. 7؛ نفسه، مقدمة الإكسير، مصدر سابق، ص.ط.
[10] - محمد الفاسي، مقدمة الإكسير، مصدر سابق، ص.ط.
[11] - أكيد أن غياب ترجمة لابن عثمان فوتت علينا معرفة هؤلاء العلماء والأساتذة الذين تتلمذ عليهم.
[12] - تقييد في عائلة البيجريين، ضمن مجموع الأستاذ حجي، الرباط، 1999، وقد اعتمدنا على نسخة مصورة من المخطوط قبل نشره.
[13] - مليكة الزاهدي : تحقيق البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد العدو الكافر، دبلوم الدراسات العليا، كلية الآداب، الرباط، 1995، مرقونة، ج.1. ص. 26.
[14] - مولاي عبد السلام العلوي : اقتطاف الأزهار، ج. 3. ص. 490.
[15] - ابن زيدان : الإتحاف، ج.4، ص.160؛ محمد الفاسي، مقدمة الإكسير، مصدر سابق.
[16] - ابن عثمان : الإحراز، نفسه، ص. 213.
[17] - لمزيد من التفاصيل عن تدابير سيدي محمد في هذا الباب، انظر رسالتنا لنيل د.د.ع: الإصلاحات الاقتصادية والسياسية للسلطان سيدي محمد بن عبد الله (1757-1790)، يوليو 1987، كلية الآداب فاس، مرقونة.
[18] - الزَّياني : الترجمانة الكبرى في أخبار المعمور برا وبحرا، تحقيق عبد الكريم الفيلالي، طبعة 1991، الرباط،ص. 63.
[19] - الزَّياني، البستان الظريف في دولة أولاد مولاي الشريف، تحقيق رشيد الزاوية، الرباط، 1992، ص. 420.
[20] - ابن حمدون بن الحاج : الدر المنتخب، ج.1. م.خ.ح. رقم 1920، ص.12.
[21] - يورد الزَّياني صورة بليغة عن هذا الواقع في معرض حديثه عن تلقيه خبر وفاة السلطان مولاي عبد الله وتولي ابنه سيدي محمد وهو عائد من سفره إلى المشرق، وكيف وجد كل زملائه وأقرانه قد التحقوا بخدمة السلطان الجديد، فـ" شرهت نفسي للحاق بهم وتعلقت همتي بخدمة السلطان"، الترجمانة، مصدر سابق، ص. 61.
[22] - لمزيد من التفاصيل حول هذه المسألة انظر: محمد الأخضر: الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية، الدار البيضاء، 1977؛ فاطمة الحراق : السياسة الدينية للسلطان سيدي محمد بن عبد الله، أطروحة لنيل دكتوراه الفلسفة Ph.D، جامعة لندن، 1989.
[23] - لمزيد من التفاصيل حول الأوضاع الاقتصادية والمالية في هذا العهد، انظر رسالتنا السالفة الذكر.
[24] - محمد الفاسي، مقدمة رحلة العبدري، ص. –أ ج-.
[25] - كلف السلطان ابن عثمان –كما يورد في كتابه الإكسير- بمرافقة هؤلاء الأسرى إلى فاس والوقوف على ترتيبات تسفيرهم إلى تلمسان، وقد أشار لوريدو دياز خطأ إلى أن ابن عثمان قادهم إلى الحدود، L ourido Diaz, R., op.cit., p. 681
[26] - لمزيد من الإطلاع على حيثيات وملابسات تطور العلاقات المغربية الإسبانية قبيل سفارة ابن عثمان، انظر رسالتنا المشار إليها سالفا، ص.ص. 103-106.
[27] - ابن زيدان، المرجع السابق، ص.160؛ محمد الفاسي، 1960، مقال سابق، ص. ص. 12-13؛ نفسه، مقدمة الإكسير، ص. ظ.
[28] - محمد الفاسي، مقدمة الإكسير، ص. ظ.
[29] - ابن زيدان، المرجع السابق، ص. 160.
[30] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 274.
[31] - انظر ملحق رقم 1، البدر السافر.
[32] - محمد الفاسي، 1960، مقال سابق، ص. 13؛ نفسه، مقدمة الإكسير، ص. ك.
[33] - العباس بن إبراهيم : الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، تح. عبد الوهاب بنمنصور، ج.6، الرباط، 1977، ص. 146.
[34] - ابن عثمان، البدر السافر، ص.ص. 102-103.
[35] - ابن عثمان، البدر السافر، ص. 163.
[36] - نفسه، ص. 164.
[37] - محمد الفاسي، مقدمة الإكسير، ص. ل.
[38] - ابن زيدان، الإتحاف، ج. 4، ص. 161.
[39] - شكك محمد الفاسي في معلومات دي همسو حول هذا الحدث، لكنه ظل مع ذلك غير متيقن، بدليل تقديمه فرضية كون ابن عثمان وابن عبد الملك "توجها سوية إلى إيطاليا والنمسا، أو أن ابن عثمان لحق بالسفارة الأخرى في فيينا"، مقال سابق، 1960، ص. 14.
[40] - رسالة سيدي محمد إلى قيصر النمسا، عبد الوهاب بن منصور، "إطلالة على وثائق السلطان سيدي محمد بن عبد الله المحفوظة بمديرية الوثائق الملكية "، أعمال الدورة الثالثة لجامعة مولاي علي الشريف الخريفية، 1991، ص. 17.
[41] - لمزيد من التفاصيل، يرجع إلى مؤلفنا سفارة محمد بن عثمان المكناسي ومشاهداته في أستانبول والشام والحجاز، منشورات كلية الآداب سايس، فاس، 2004.
[42] - يشير ابن زيدان إلى أنه وجد إشارة عند دي همسو تفيد بتوجيه مولاي اليزيد لابن عثمان سفيرا إلى مدريد، لكنه بقي متشككا بقوله : "ولم أر أحدا غيره تعرض لهذه السفارة، وعلى كل فقد حفظ زيادة على أنه لا منافي لقوله"، الإتحاف، ج. 4، ص. 160.
[43] - لعل كاسادو هو أول من أشار إليها في مقاله السالف الذكر، أما بالاو فكانت موضوع أطروحته لنيل دكتوراه الدولة في التاريخ تحت عنوان : a l-Yazid Cartas arabes de Marruecos en tiempo de Mawlay (1790-1792) , Tetuan, 1961.
[44] - يرجع إلى كتابنا سفارة ابن عثمان، سالف الذكر
[45] - لمزيد من التفاصيل حول هذا الوباء انظر : الضعيف الرباطي، تاريخ الضعيف، تحقيق أحمد العماري، الرباط، 1986، ص. 314 وما بعدها؛ محمد الأمين البزاز، تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب، منشورات كلية الآداب، الرباط، 1992، ص. 85 وما بعدها.
[46] - ناقش محمد الفاسي مسألة خطأ المؤرخين في تحديد تاريخ وفاة ابن عثمان معللا ذلك باعتمادهم على الزَّياني الذي أخطأ في نظره بجعل سنة 1212هـ/1798 تاريخا لتلك الوفاة بسبب الطاعون، انظر مقدمة الإكسير، ص.ص."ف ـ ق". والحقيقة أن الزَّياني أورد أن الطاعون "عم المغرب عام ثلاثة عشر ومائتين وألف" وفيه مات "الكاتب الكبير ابن عثمان" مما ينـزهه عن الغلط (الترجمانة، ص. 382)، وإن كان الزَّياني نفسه قد أجاب مضيفه الأغا علي المهمندار-خلال زيارته لأستانبول سنة 1208هـ/1794 - لدى سؤال الأخير"عن عبد الملك وابن عثمان ولوزيرق وابن يحيى ومن كان معهم، فقلت لم يبق ممن قدم بلادكم غيري وغير محمد الزوين الذي قدم عليكم بعدي". انظر الترجمانة، ص.ص. 167-168.
[47] - الضعيف، المصدر السابق، ص.ص. 316-317.
[48] - لمزيد من التفاصيل، يرجع إلى مؤلفنا سفارة ابن عثمان سالف الذكر
[49] - نفسه، ص. 277.
[50] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 274.
[51] - نفسه، التقريض الأول، ص. 282.
[52] - انظر الزَّياني، الترجمانة، ص. 104. وص. 108
[53] - مليكة الزاهدي، المرجع السابق، ص. 27.
[54] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 272.
[55] - ابن زيدان، المرجع السابق، ج.4، ص. 162.
[56] - نفسه، ص.159.
[57] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 180.
[58] - نفسه، ص. 181.
[59] - نفسه.
[60] - نفسه، ص. 182.
[61] - نفسه، ص. 246.
[62] - نفسه، ص. 248.
[63] - نفسه.
[64] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 252.
[65] - الشاهدي : أدب الرحلة بالمغرب في العصر المريني، ج.1، الرباط، 1990.ص. 79، اقتباسا عن ابن خلدون.
[66] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 42.
[67] - الزَّياني، الترجمانة، ص. 126.
[68] - الشاهدي، المرجع السابق، ص. 86.
[69] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 2.
[70] - التقريض الأول لإحراز المعلى، ص. 282.
[71] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص. 280.
[72] - محمد الفاسي، مقدمة الإكسير، مصدر سابق، ص - ش -.
[73] - يرجع في هذا الصدد إلى مقال محمد الفاسي: "مشاهدات سفير مغربي بإسبانيا في القرن الثامن عشر"، مجلة البحث العلمي، عدد 2، 1964، ص. 174.
[74] - ابن عثمان، البدر السافر، مصدر سابق، ص. 163؛ لمزيد من التفاصيل عن الصعاب التي واجهها السفير والتي كادت أن تجهض العملية يرجع إلى نفس المصدر.
[75] - نفسه، ص.ص. 166-167.
[76] - كليليا سارنلي تشركوا Clelia Sarnelli Cerqua، "السفير محمد بن عثمان المكناسي وبعثته الدبلوماسية إلى نابولي سنة 1782/ أواسط شعبان 1196هـ"، أدب الرحلة والتواصل الحضاري، منشورات كلية الآداب، مكناس، 1993، ص. 222.
[77] - نفسه، ص. 228.
[78] - ابن عثمان، البدر السافر، مصدر سابق، ص. 304.
[79] - من الأمثلة على ذلك تلكؤ مرافقيه في تسجيل شهادتهم كعدول على عملية الافتداء ومناوراتهم التي اشتم منها رائحة ابتزاز الرشوة ومحاولة التزوير مقابل الشهادة، انظر البدر السافر، ص. 307، وص. 332.
[80] - نفسه، ص. 314.
[81] - ابن عثمان، الإحراز، نفسه، ص.343.
[82] - نفسه، ص.ص.48-49.
[83] - الشاهدي، مرجع سابق، ج.1، ص. 53.
[84] - يضيف الدكتور عبد الله المرابط الترغي محقا في هذا الصدد اصطلاحا آخر في إطار تصنيف الرحلات، بإطلاقه تسمية"الرحلة الفهرسية" على هذا النوع، حيث يورد أن الرحالة علاوة على"وصف المسالك التي سلكوا منها والحواضر التي نزلوا بها...يتم الحديث عن الأجواء الثقافية…وعن العلماء الذين جالسهم وعن المواد العلمية التي استفادها والإجازات التي ظفر بها"، انظر مؤلفه : فهارس علماء المغرب منذ النشأة إلى نهاية القرن الثاني عشر للهجرة، منشورات كلية الآداب، تطوان، 1999، ص. 134.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق